الأداء الاقتصادي للشركات ليس مجرد أرقام حسابية تُدرج في ميزانية سنوية، و إنما هو انعكاس حقيقي لقدرة الإدارة على اتخاذ القرارات الرشيدة و توظيف الموارد بما يحقق مصالح المساهمين و يحافظ على استقرار الكيان القانوني للشركة. و لهذا أولى المشرع المصري في قانون الشركات أهمية قصوى لهذا القطاع، حيث ربط بين سلامة الأداء الاقتصادي و بين شرعية الإدارة و قراراتها، و بين اعتماد الجمعيات العامة لهذه القرارات باعتبارها السلطة العليا في الشركة.

إن الأداء الاقتصادي بمفهومه القانوني لا يقتصر على الأرباح و الخسائر، بل يشمل كفاءة استخدام رأس المال، و فاعلية الإدارة في مواجهة التحديات، و مدى التزام المدير أو مجلس الإدارة بالشفافية في عرض النتائج أمام الجمعيات. و من هنا تنشأ العلاقة التكاملية بين المدير و الجمعيات العامة، بين القرار الفردي و القرار الجماعي، و بين الإدارة اليومية و الرقابة العليا.

ماهية الأداء الاقتصادي للشركات

الأداء الاقتصادي يمكن تعريفه بأنه الحصيلة الكلية للنشاط الذي تباشره الشركة خلال فترة زمنية معينة، و الذي يعكس مدى نجاح الإدارة في تحقيق أهدافها، و يتجسد هذا الأداء في عناصر متعددة:

  1. الميزانية العامة: التي تعكس الموقف المالي للشركة في نهاية كل سنة مالية.
  2. حساب الأرباح و الخسائر: الذي يوضح ما إذا كانت قرارات الادارة قد أدت إلى تحقيق فائض أو إلى تكبد خسائر.
  3. التدفقات النقدية و الاستثمارات: التي تبرز مدى قدرة المدير على إدارة السيولة و توجيه الأموال إلى قنوات استثمارية آمنة.
  4. المؤشرات غير المالية: مثل رضا العملاء، التوسع في الأسواق، و تطوير منتجات جديدة، و التي تُعد جميعها انعكاساً لقرارات الإدارة.

و بذلك فإن الأداء الاقتصادي لا ينحصر في الجانب المحاسبي البحت، بل يمثل صورة متكاملة لمدى نجاح الإدارة في قيادة الشركة، و هو الأداة الأساسية التي يتم من خلالها تقييم القرارات و مدى صحتها.

دور المدير و الإدارة في صياغة الأداء الاقتصادي

المدير أو مجلس الإدارة هو المسؤول الأول عن الأداء الاقتصادي، فالإدارة هي التي تتولى التخطيط، و تضع السياسات العامة، و تصدر القرارات اليومية التي تحدد مسار الشركة.

فإذا اتخذ المدير قرارات رشيدة، انعكس ذلك على تحقيق أرباح و زيادة ثقة المساهمين، أما إذا كانت قراراته متسرعة أو مخالفة لمبادئ الحوكمة فإن ذلك يظهر في شكل خسائر و تراجع اقتصادي.

لكن القانون لم يمنح المدير حرية مطلقة في الإدارة، فقراراته يجب أن تتجسد في صورة تقارير مالية سنوية يتم عرضها على مراقبي الحسابات و الجمعيات العامة، و هنا يتضح أن الأداء الاقتصادي يمثل “لغة الحوار” بين المدير و الجمعيات حيث يقوم المدير بعرض قراراته و نتائجها، و الجمعية تقيم هذه النتائج و تصدر قرارها باعتمادها أو رفضها.

دور الجمعيات العامة في تقييم الأداء الاقتصادي

الجمعية العامة هي السلطة العليا في الشركة، و تمثل جميع المساهمين، و هي صاحبة الحق الأصيل في اعتماد الميزانية و حساب الأرباح و الخسائر، و يعني ذلك أن الأداء الاقتصادي الذي يقدمه المدير لا يكتسب الشرعية إلا إذا وافقت الجمعية العامة عليه.

كما أن اعتماد الجمعية العامة للتقارير السنوية يترتب عليه أثر قانوني مهم يتمثل في ابراء ذمة المدير أو مجلس الادرارة عن الفترة المالية السابقة، فإذا منحت الجمعية قرارها بالاعتماد برئت الإدارة من المسؤولية، إلا في حالات الغش و التلاعب. أما إذا رفضت الجمعية تقارير المدير، فإن قرارات الإدارة تصبح محل مساءلة، و قد يتعرض المدير لدعاوى قانونية من المساهمين فيما يتعلق بالمخالفات التي ارتكبها.

و هذا يوضح أن الأداء الاقتصادي ليس فقط انعكاساً لقدرة الإدارة، بل هو أيضاً معيار للثقة التي تمنحها الجمعيات العامة. فقرار الجمعية بالاعتماد هو بمثابة شهادة قانونية على سلامة الأداء، بينما قرارها بالرفض يمثل مؤشراً على قصور الإدارة.

القرارات الإدارية و تأثيرها على الأداء الاقتصادي

القرارات التي يتخذها المدير أو مجلس الإدارة طوال العام المالي هي التي تصنع الأداء الاقتصادي في النهاية.

هذه القرارات قد تتعلق بالاستثمار في مشروعات جديدة، أو الاقتراض لتمويل نشاط، أو توزيع أرباح، أو إعادة هيكلة الموارد، حيث كل قرار من هذه القرارات له أثر اقتصادي مباشر يظهر في نتائج الميزانية.

و لهذا فإن القانون يربط بين مسؤولية المدير عن قراراته و بين نتائجها الاقتصادية، فإذا أسفرت القرارات عن خسائر جسيمة، فإن المدير يُسأل أمام الجمعية العامة للمساهمين، و قد يمتد الأمر إلى مسؤولية شخصية إذا ثبت وجود خطأ جسيم أو إهمال.

الأداء الاقتصادي كمعيار لاستمرار الشركة أو حلها

من أهم ما يميز تنظيم المشرع للأداء الاقتصادي أنه جعله معياراً لبقاء الشركة، فإذا أظهرت الميزانية أن الخسائر تجاوزت نصف قيمة حقوق المساهمين، فإن الإدارة تلتزم بدعوة الجمعية العامة غير العادية لاتخاذ قرار مصيري:

التوازن بين الإدارة و الجمعيات في ضوء الأداء الاقتصادي

الأداء الاقتصادي يمثل نقطة التوازن بين سلطة المدير و سلطة الجمعية:

المدير يتخذ القرارات و يدير موارد الشركة بشكل يومي.

و هذا التوازن هو الضمانة الأساسية لحماية المساهمين و الدائنين للشركة و الحفاظ على الاستقرار المالي للشركة.

خاتمة

من خلال استقراء أحكام قانون الشركات المصري يتضح أن الأداء الاقتصادي للشركات ليس مجرد نشاط محاسبي، بل هو نظام متكامل يربط بين الإدارة و الرقابة.

فالمدير أو مجلس الإدارة هو المسؤول عن صياغة الأداء من خلال قراراته، لكن هذا الأداء لا يصبح شرعياً إلا بقرار الجمعية العامة.

و بذلك فإن الأداء الاقتصادي يمثل مرآة حقيقية للإدارة، و معياراً لمدى نجاح المدير في اتخاذ القرارات الصائبة، و في الوقت ذاته يمثل أداة قانونية للجمعيات في منح الثقة أو سحبها، و من ثم فإن أي خلل في الأداء الاقتصادي لا يهدد الأرباح فقط، بل يهدد شرعية القرارات و استمرار الشركة ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *