شهد تمويل المشروعات و الأنشطة الاقتصادية من خلال الصكوك الإسلامية اهتمامًا متزايدًا من قبل المسؤولين و الخبراء الاقتصاديين في جمهورية مصر العربية، نظرًا لكونها أدوات تمويل منخفضة المخاطر يمكن للكيانات القانونية الراغبة في تمويل مشروعاتها و أنشطتها استخدامها دون أن تتحمل أعباء الفوائد أو الضمانات أو الشروط التي قد تعيق نموها أو تؤثر سلبًا على مستقبلها.

الصكوك

الصكوك هي اوراق مالية ذات قيمة متساوية تصدر لمدة محددة لا تزيد عن 30 عاماً، تمثل كل منها حصة شائعة فى ملكية ( أصول، منافع، حقوق مشروع معين أو حقوقه أو التدفقات النقدية له ) وفقاً لما تحدده نشرة الاكتتاب العام أو مذكرة المعلومات.

عملية التصكيك

هى عملية مالية يتم من خلالها تملك أصول أو منافع أو حقوق مشروع محل تمويل و إصدار صكوك مقابلها من خلال عقد الإصدار.

شركة التصكيك

هي شركة مساهمة مصرية ذات غرض وحيد هو إصدار الصكوك، حيث تقوم بتملك الأصول أو المنافع أو المشروع أو الحقوق محل التمويل نيابة عن مالكي الصكوك.

و قد أعيد تنظيم الإطار التشريعي للصكوك الإسلامية و إدراجه ضمن قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 و لائحته التنفيذية، كما ظهرت الحاجة إلى استخدامها في تمويل المشروعات  القومية، مما أدى إلى إصدار قانون الصكوك السيادية رقم 138 لسنة 2021 لتوفير قانون خاص يتماشى مع خصوصية تسنيد الأصول المملوكة للدولة، و حمايتها من مخاطر الاستيلاء أو الرهن، و منع تملك المستثمرين الأجانب للأصول العامة الحيوية.

تُعد الصكوك من أكثر أدوات التمويل الإسلامية تنظيمًا بموجب قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992، المعدلبالقانون رقم 17 لسنة 2018 و الذي يتناول كافة أنواع الصكوك المتوقعة، و نظام الإصدار، و حقوق الاسترداد، مع كون الهيئة العامة للرقابة المالية هي الجهة الرقابية المختصة.

و في أبريل 2020، وافقت الهيئة على أول إصدار صكوك بقيمة 2 مليار جنيه مصري (ما يعادل 127 مليون دولار أمريكي) من خلال إحدى الشركات التابعة لمجموعة طلعت مصطفى القابضة، أكبر مطور عقاري مدرج في مصر، و تمت إتاحة الصكوك للتداول و للسداد العاجل، دون إمكانية تحويلها إلى اسهم وفقًا لما أعلنته الهيئة.

هيكل الصكوك

يتضمن هيكل الصكوك قيام وزارة المالية، عند رغبتها في جمع التمويل، بإنشاء شركة ذات غرض خاص (SPV) في شكل شركة مساهمة، تُنقل إليها حق الانتفاع بالأصول التي سيتم استخدامها كضمانات لأصدار الصكوك و تتولى الشركة، بصفتها وكيلًا، إصدار الصكوك و بيعها للمستثمرين في شكل شهادات ورقية أو إلكترونية، تمثل حصصًا في ملكية الأصول، ويحصل حاملو الصكوك على نسبة من العائدات الناتجة عن هذه الأصول حسب حصصهم.

و تكون هذه الشركة ذات الغرض الخاص كيانًا قانونيًا مستقلًا مملوكًا بالكامل للدولة، على ألا يقل رأس مالها المصدر و المدفوع عن مليون جنيه مصري، و يصدر نظامها الأساسي بقرار من وزير المالية. و تحدد اللائحة التنفيذية للقانون متطلبات الإفصاح الخاصة بهذه الشركة، و كيفية مسك حسابات مستقلة لكل إصدار من الصكوك سواء داخل مصر أو خارجها.

و تقوم هذه الشركة، بصفتها وكيلًا عن حملة الصكوك، بإبرام عقد إصدار صكوك مع وزارة المالية ينظم الحقوق والالتزامات لوزارة المالية والشركة ذات الغرض الخاص بصفتها وكيلًا عن حاملي الصكوك، ويتناول أوجه الاستثمار بعائدات الإصدار، ومدته، والعائدات المتوقعة.

و يشترط القانون قيد الصكوك المحلية في البورصة المصرية و حفظها لدى شركة مصر للمقاصة والايداع والقيد المركزي  (MCDR)، بينما تُقيد الصكوك الدولية في البورصات العالمية وفقًا لإصدارات الصكوك السيادية الدولية، ما يساهم في جذب المستثمرين المحليين و الأجانب وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.

أنواع الصكوك وفقًا للقانون المصري

صكوك المضاربة: عقد شراكة في الربح بين طرف يقدم رأس المال و آخر يقدم العمل. يشترط لصحة العقد تسليم رأس المال لرائد الاعمال، و الاتفاق على توزيع الأرباح، و تحقيق الأرباح بعد ضمان رأس المال فقط، و عند الانتهاء من التسوية النهائية لأموال المضاربة، تتم تسوية حقيقية ببيع الأصول في مزاد أو بالتصفية وفقًا لمعايير المحاسبة و المراجعة.

صكوك المرابحة: عقد بيع يتم فيه تحديد قيمة السلعة و ربح معلوم مُتفق عليه. في هذا السياق، يتم شراء السلع من وكيل حملة الصكوك بثمن مؤجل و ربح محدد متفق عليه. و يتم دفع العوائد دوريًا على أساس الربح، و يُعاد رأس المال في نهاية المدة، ممثلًا في قيمة السلعة.

صكوك المشاركة: عقد شراكة بين طرفين أو أكثر يتشاركون في رأس المال و الأرباح. تمثل شهادة المشاركة حصة مباشرة في أصول المشروع أو الشركة، سواء أكان مشروعًا جديدًا أو توسعيًا. و يعتبر شريكا، و تُوظف عوائد الاكتتاب في شراء أصول مدرة للدخل أو مشاريع تجارية تشمل النقد و السيولة و الأصول الثابتة و المتداولة.

صكوك الإيجارة: عقد تأجير لانتفاع محدد مقابل عوض معلوم. حيث تمثل الصكوك ملكية للأصل محل الإيجارة، و يعد حملة الصكوك مالكين للأصل محل الإيجارة، و لهم حقوق المؤجر و التزاماته. حيث يحصل حملة الصكوك على نصيبهم من الإيجار حسب نسبة ملكيتهم. و هي قابلة للتداول منذ الإصدار لأن الأصل محل الإيجارة يعتبر أصل غير مالي.

أطراف عملية إصدار الصكوك

الصكوك السيادية في القانون المصري

عرف قانون الصكوك السيادية رقم 138 لسنة 2021 الصكوك السيادية بأنها:

“أوراق مالية حكومية اسمية متساوية القيمة، قابلة للتداول في البورصة، تصدر لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثين عامًا، و تمثل حصصًا شائعة في حقوق انتفاع بالأصول، كما يحددها نشرة الطرح”.
تكون هذه الصكوك قابلة للتداول بيعًا و شراءً و رهنًا و إرثًا وفقًا للقيمة السوقية، التي تُحدد بحسب العرض و الطلب.

قامت مصر بالاستعداد لإصدار هذه الصكوك من خلال سن قانون الصكوك السيادية و لائحته التنفيذية، بهدف توفير الإطار التشريعي اللازم لطرح نوع جديد من الأوراق المالية الحكومية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. و قد تم ذلك بالتعاون مع أبرز البنوك المتخصصة في التمويل الإسلامي و إصدار الصكوك، و بمشاركة مكاتب محاماة محلية و دولية، لتغطية كافة الجوانب الفنية و القانونية و التسويقية، وفقًا لأفضل الممارسات العالمية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

بموجب قانون الصكوك السيادية في مصر، تُصدر هذه الصكوك بصيغتها المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية من خلال شركة التسنيد، التي يقتصر غرضها على إصدار شركات أغراض خاصة سيادية (SPVs)، و التي تُعرف باسم شركات الأغراض السيادية أو شركات التسنيد السيادي.

و يعتمد إصدار الصكوك على حق الانتفاع بالأصول المملوكة للدولة من خلال بيع هذا الحق أو تأجيره أو أي وسيلة أخرى ينص عليها عقد الإصدار، بما يضمن لحامل الصك الحصول على حصته من المنفعة وفقًا لمبادئ الشريعة.

القوانين و القرارات المنظمة

أصدر القانون رقم 17 لسنة 2018، و تبعه صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2479 لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال و لائحته التنفيذية، حيث أرسى هذا الإطار القواعد و الأحكام المنظمة للهيكل القانوني و الصيغ التعاقدية الخاصة بإصدار الصكوك، و الأطراف المشاركة في عملية الإصدار، و أدوارهم، و أحكام و إجراءات الإصدار ذات الصلة.

و استكمالًا لهذا الإطار التشريعي المنظّم للصكوك، صدرت عدة قرارات عن مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية تناولت ما يلي:

  1. القانون رقم 138 لسنة 2021 المتعلق بتوفير أساس قانوني لإصدار الصكوك السيادية، و تحديد الإجراءات و المتطلبات الخاصة بإصدارها.
  2. القرار رقم 50 لسنة 2019 بشأن الشروط و الأحكام المتعلقة بالجهة المستفيدة التي ترغب في إصدار الصكوك بنفسها، و تحديد الحدين الأدنى و الأقصى لقيمة الصكوك التي تصدرها الجهات المرخص لها، إلى جانب الشروط و الإجراءات الواجب اتباعها للموافقة على إصدار الصكوك لصالح المؤسسات التمويلية الدولية و الإقليمية، و الشروط و القواعد المنظمة لقيد الصكوك المطروحة عبر الاكتتاب الخاص في إحدى البورصات المصرية، و كذلك شروط و أحكام تداول الصكوك خارج البورصة.
  3. القرار رقم 61 لسنة 2019 الخاص بالقواعد المنظمة لتشكيل لجان الرقابة الشرعية و إجراءات عضويتها عند إصدار الصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
  4. القرار رقم 188 لسنة 2018 بشأن المعايير المحاسبية الواجب تطبيقها على الشركات المصدرة للصكوك و الشركات المستفيدة منها، بما في ذلك المعايير الخاصة بالمراجعة التي يلتزم بها المحاسبون القانونيون.
  5. القرار رقم 176 لسنة 2018 بشأن الضوابط و المتطلبات الخاصة بتأسيس و ترخيص شركة الصكوك.

الخاتمة

يمثل قانون الصكوك في مصر رقم 16 لسنة 2021 خطوة جوهرية في تطوير صناعة التمويل الإسلامي في مصر، حيث وفر إطارًا قانونيًا و تنظيميًا متوازنًا يراعي الابتكار المالي مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية. و من خلال تعزيز الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة المدعومة بالأصول، يهدف القانون إلى جذب الاستثمار، و تحفيز النمو الاقتصادي، و ترسيخ مكانة مصر كمركز مالي في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *